منتدى الكسيمي الفلكي
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
يسرنا دعوتكم للمشاركة في المنتدى
اقسام عديدة ومواضيع لاتظهر لك بصفتك زاير
قم بالتسجيل معنا يسعدنا انضمامك لنا

ونتشـارك
كالأسرة الواحدة لتثقيف بعضنا
البعض في كل المجالات
أتمنى لك قضاء
وقت ممتع
معنا
منتدى الكسيمي الفلكي
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
يسرنا دعوتكم للمشاركة في المنتدى
اقسام عديدة ومواضيع لاتظهر لك بصفتك زاير
قم بالتسجيل معنا يسعدنا انضمامك لنا

ونتشـارك
كالأسرة الواحدة لتثقيف بعضنا
البعض في كل المجالات
أتمنى لك قضاء
وقت ممتع
معنا
منتدى الكسيمي الفلكي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى الكسيمي الفلكي

من نحن مولاى محمد الحافظ الكسيمي نسبا وقبيلتا ....المغرب سوس موقعا مشهور بجلب الاسحار عبر الاقطار فك عقدة المعقودة عن الزواج *والجلب الفورى والسريع للعريس واصحاب المصالح * ورد المطلقة لزوجها مهما كان سبب الطلاق والانفصال * لعمل المحبة الدائمة والوفق بين ا
 
الرئيسيةبوابة العلومالتسجيلالأحداثالتوقعات الفلكيةأحدث الصوردخول

 

 التدبر في قصة نبي الله سليمان عليه السلام مع ملكة سبأ

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
الكسيمي
المدير العام
المدير العام
الكسيمي


عدد الرسائل : 4090
تاريخ الميلاد : 10/05/1969
العمر : 55
تاريخ التسجيل : 13/09/2008

التدبر في قصة نبي الله سليمان عليه السلام مع ملكة سبأ Empty
مُساهمةموضوع: التدبر في قصة نبي الله سليمان عليه السلام مع ملكة سبأ   التدبر في قصة نبي الله سليمان عليه السلام مع ملكة سبأ I_icon_minitimeالأربعاء 14 نوفمبر - 6:37

التدبر في قصة نبي الله سليمان عليه السلام مع ملكة سبأ


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وبعد:..

فقد وردت قصة سليمان عليه السلام [في سورة النمل من (الآية 15 إلى الآية 44) وفي سورة الأنبياء (الآيات 79 و81و82) وفي سورة سبأ (الآيات 12- 14)، وفي سورة ص (الآية 30 إلى الآية 40)]. والجزء الأساس من قصة سليمان مع ملكة سبأ والذي سنتحدث عنه والذي سوف نتدبر ما فيه من عظات ودروس هو ما ورد في سورة النمل (من الآية 15 إلى الآية 44). وأما ما ورد من آيات في السور الأخرى فهي مكملات لقصة سليمان.

 تمهد سورة النمل في مطلعها بمقطع من ست آيات مفتتحة السورة بحرفي (طس) وهي من الحروف المقطعة لتعزِّز فكرة إعجاز القرآن وأنه من هذه الحروف التي يعرفها العرب المخاطبون بهذا القرآن. ونلاحظ أن الآيات (1-6) الأولى تذكر بعد إيراد الحرفين المقطَّعين (طس): أن تلك آيات القرآن، وأنه كتاب مبين واضح، وأنه هدى وبشرى للمؤمنين. وأنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ زَيَّنَ الله لهم أعمالهم القبيحة بتركيب الشهوة فيها حتى رأوها حسنة، ولذلك فهم متحيرون كيف أن المؤمنين يرونها قبيحة، ثم تذكِّر هذه الآيات الرسول صلى الله عليه وسلم أنه يتلقى القرآن من الله الحكيم العليم. قال تعالى: ﴿ وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآَنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ ﴾ [النمل: 6].

 بعد هذا المقطع التمهيدي الأول تأتي آيات من القرآن تذكر قصة موسى عليه السلام متعلقة به وبكيفية بداية الوحي له، وما أعطاه الله من المعجزات ومنها معجزة العصا واليد البيضاء وغيرها. (الآيات: 7-14). وبهذين التمهيدين يبين الله أن ما سيأتي بعده من الآيات إنما هو كلام يتلقاه الرسول صلى الله عليه وسلم من عند الله، فهو لا يمكنه معرفة تفاصيل تلك القصص، لأنه لا يقرأ ولا يكتب.

 

بعد ذلك يأتي الجزء الخاص من قصة سليمان عليه السلام مع ملكة سبأ في سورة النمل التي نحن بصدد النظر في تدبرها والتفكر في تجليات آياتها.. ولكن قبل أن ندخل في التفكر والتدبر في تجليات الآيات التي ذكرت قصة سليمان في سورة النمل لابد من ذكر بعض الصفات التي أهل الله بها النبي سليمان عليه السلام ليكون أهلاً لهذا التكريم وذلك الملك العريض، الذي لم يُعط لأحدٍ من قبله ولا من بعده.، وقبل ذكر طرف من قصة سليمان وما أعطي له من أسباب الملك الكثيرة في سورة (ص) يأتي تذكير الرسول بأهمية القرآن، وبعض الأهداف من إنزاله وأنه مبارك ليدبر آياته البشر، وليتذكره أولى الألباب، قال تعالى: ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [ص:29]. ثم تذكر الآيات (30- 40) من سورة ص طرفاً من قصة سليمان.

 

صفات وأخلاق لسليمان جعلته أهلاً للملك العريض:

لقد وهب الله سليمان صفات وأخلاق جعلته أهلاً لذلك الملك العريض، وبعض ما أعطي له من أسباب الملك الكثيرة، ومن هذه الصفات:

أولاً: أنه نبي من أنبياء الله، وهو مكلف بالدعوة إلى الله وليس ملكاً عادياً، وما أعطاه الله كان من المعجزات، وليس فقط من متطلبات الملك العادي لأي ملك.

 

ثانياً: أنه كما وصفه الله سريع الرجوع إلى الله ﴿ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ﴾. قال تعالى: ﴿ وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ﴾.

 

ثالثاً: أن الله فتنه أي (اختبره) فتقبل ذلك الاختبار بصبر وعاد إلى الله منيباً إليه، ورجع إلى ربه واستغفره: قال تعالى في سورة ص: ﴿ وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ * قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ﴾. وليست هناك روايات يعتمد عليها فيما هو الجسد، ويهمنا هنا أن سليمان بعد أن فتنه الله واختبره تاب إليه مستغفراً.

 

والروايات التي ذُكرت في العديد من التفاسير عن خاتم سليمان والشيطان المتمرد الذي سرق الخاتم والذي تمثل في صورة سليمان وغيرها من الحكايات، وإن رويت عن ابن عباس يبدو من السياق فيها أنها من الإسرائيليات. قال ابن كثير في تفسيره: (والظاهر أنه إنما تلقاه ابن عباس رضي الله عنهما إن صح عنه من أهل الكتاب وفيهم طائفة لا يعتقدون نبوة سليمان عليه الصلاة والسلام. فالظاهر أنهم يكذبون عليه ولهذا كان في السياق منكرات) (تفسير ابن كثير 4/45).




ولتأكيد على أن قصة الخاتم لا أساس لها حديث الرسول صلى الله عليه وسلم في البخاري ومسلم. عن أبي هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « قال سليمان لأطوفن الليلة على تسعين امرأة كلهن تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله فقال له صاحبه: إن شاء الله، فلم يقل: إن شاء الله فطاف عليهن جميعا، فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل. وأيم الذي نفس محمد بيده لو قال: إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرسانا أجمعون». البخاري 6/ 2447 رقم 6263. ومسلم 3/ 1275 رقم 1654.




أما سيد في تفسير الظلال فقال: أنه لا تطمئن نفسه إلى الرواية التي ذكرت في تلك التفاسير، وقال عن الرواية التي ذكرت في الحديث: وجائز أن تكون هذه هي الفتنة التي تشير إليها الآيات هنا، وأن يكون الجسد هو هذا الوليد الشق. ولكن هذا مجرد احتمال. وكل ما نخرج به هو أنه كان هناك ابتلاء من الله وفتنة لنبي الله سليمان عليه السلام في شأن يتعلق بتصرفاته في الملك والسلطان،كما يبتلي الله أنبياءه ليوجههم ويرشدهم، ويبعد خطاهم عن الزلل. وأن سليمان أناب إلى ربه ورجع. وطلب المغفرة؛ واتجه إلى الله بالدعاء والرجاء:

﴿ قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ﴾ [ص: 35]. في ظلال القرآن ص 99-100).




والتصديق بقصة الخاتم تنفي عن سليمان أمر المعجزات النبوية، وتجعل كل تلك المعجزات الربانية وكأنها مرتبطة فقط بوجود الخاتم (خاتم سليمان)، أو أن تلك المعجزات إنما كانت أعمال سحرية يقوم بها سليمان عليه السلام، وأنه بمجرد أن فقد الخاتم اختلت تصرفاته، بل وفقد كل ملكه طوال مدة فقده لخاتمه كما تزعم الروايات، ومثل هذه الروايات لا يجوز قبولها في حق نبي معصوم بوحي إليه من الله.




وقد طلب سليمان عليه السلام من الله بعد أن فتنته أن يعطيه ملكا لا ينبغي أن يعطيه لأحدٍ من بعده، ليس طمعاً بالملك ولا أثرة به، وإنما أراد به الاختصاص الذي يتجلى في صورة معجزة بمُلكٍ ذا خصوصية تميزه عن كل ملوك الأرض الآخرين من قبله ومن بعده. وإن يكون ملكه ذا طبيعة معينة ليست مكررة ولا معهودة في الملك الذي يعرفه الناس، إذ أنه كان نبياً قبل أن يكون ملكاً.. وقد استجاب له ربه، فأعطاه فوق الملك المعهود، ملكاً خاصاً لا يتكرر..




ومن ذلك تسخير الريح لسليمان. وتسخير الريح لعبد من عباد الله بإذن الله؛ لا يخرج في طبيعته عن تسخير الريح لإرادة الله. وكذلك طاعة الشياطين والجن والطير والحيوان لا يخرج ذلك عن نطاق إرادة الله في تسخيره ما يشاء من خلقه لمن أراد من عباده.




رابعاً: أن الله أعطى لسليمان فهما وحُكْمًا وَعِلْمًا (والحكم: هو القدرة على أن يصدر أحكاما صائبة على الأمور والقضاء بين الناس بما أراه الله من الحق والعدل)، قال تعالى في سورة الأنبياء: ﴿ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آَتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ﴾. أي أن الله كما أعطى لداود ﴿ حُكْمًا وَعِلْمًا ﴾ أعطى لسليمان مثله وزاده فهماً.

 

وسوف نتفكر ونتدبر في عددٍ من الآيات من سورة النمل (من الآية 15إلى الآية 44) التي تحكي قصة النبي سليمان النبي مع ملكة سبأ فقط ونتبعها بالآية (82) التي ذكرت فيها أن دابة تخرج من الأرض تكلم الناس، ونذكر هنا بعض ما فتح الله علينا من تدبر وفهم لهذه الآيات، بالنقاط الآتية:

(1) تذكر الآية (15) أن الله أعطى لسليمان العلم. وأن للعلم تأثير على النفوس تنجذب إليه وإلا لما خاف الملوك من دعوات الرسل ومن العلماء.

 

(2) أن الله علَّمَ سليمان لغة الطير ولغة النمل، ولغة الشياطين والجن (الآية: 18-19).

 

(3) أن الله أعطى لسليمان من الملك ما لم يُؤتى أحد من العالمين وسخر له الجن والشياطين والإنس والطير والريح وأوتي من كل شيء (الآية: 16-17). وما ذكر عن سليمان في سورة الأنبياء وسورة سبأ، وسورة ص يبين بتوسع عنه.

 

(4) ومن مظاهر عِلْمِ سليمان للغة النملِ أنه سمع نملة في وادي النمل تحذر قومها من أن يَحْطِمَهم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون.. لأن الإنسان لن يهتم بمثل هذه الحشرات، ولكن الله ذكر هذا الموقف الذي يعتبر موقفاً لا قيمة له ـ بالنسبة للإنسان العادي فما بالنا بمن له مثل ملك سليمان العريض - ليعطي دليلاً وحكماً شرعياً للقائد للأمة أن يهتم بمثل هذه المخلوقات العجموات فما بالنا بالاهتمام ببني آدم، وقد انتبه لها سليمان وسمع صوتها على الرغم من هذا الحشد الهائل من جنوده وضجيج زحفهم، واهتم بها على الرغم من صغرها وضعفها وحقارتها عند كثير من الناس. ثم أنه عَجِبَ من ذكاء تلك النملة وهي تحذر قومها من كارثة قد تقع عليهم عند مرور سليمان وجنده على قريتهم وهم لا يشعرون، ﴿ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا ﴾، فهو لم يغتر بما أوتي من العلم والقوة، وكثرة الجنود كما يغتر الملوك والكبراء إذا كثر أتباعهم وأعوانهم؛ وإنما تأدب مع الله الذي أعطاه هذا الملك وهذه القدرة على فهم لغة الحيوان، وتذكر نعمة الله عليه: ﴿ وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ﴾ [النمل: 19].

 

ومثل هذا الموقف من الاهتمام بالحيوانات الضعيفة نجد له مثالاً حياً مع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ فَانْطَلَقَ لِحَاجَتِهِ فَرَأَيْنَا حُمَرَةً (الحمرة طائر صغير) مَعَهَا فَرْخَانِ فَأَخَذْنَا فَرْخَيْهَا، فَجَاءَتْ الْحُمَرَةُ فَجَعَلَتْ تَفْرِشُ فَجَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: « مَنْ فَجَعَ هَذِهِ بِوَلَدِهَا؟ رُدُّوا وَلَدَهَا إِلَيْهَا»، وَرَأَى قَرْيَةَ نَمْلٍ قَدْ حَرَّقْنَاهَا، فَقَالَ:« مَنْ حَرَّقَ هَذِهِ؟ قُلْنَا: نَحْنُ! قَالَ: « إِنَّهُ لا يَنْبَغِي أَنْ يُعَذِّبَ بِالنَّارِ إِلَّا رَبُّ النَّارِ ». رواه أبو داوود 2/61 رقم 2675.

 

هذا الموقف يعلمنا كيف نتعامل مع هذه الكائنات الحية على هذه الأرض، فهم شركائنا في الحياة على هذه الأرض.

 

(5) ولابد لولي الأمر من متابعة الانضباط والطاعة والتفقد للجنود والرعية وإلا أصبحت الأمور فوضى؛ ومن أجل ذلك نجد سليمان عليه السلام عندما افتقد أحد جنوده وهو الهدهد، يسأل عنه. ويبدو أن الهدهد لم يستأذن من سيده وملكه، وإلا لما افتقده. وكان من حزم سليمان وتفقده لجنده ورعيته أن يتبع ذلك محاسبة ومعاقبة للمتفلِّتين، والمتلاعبين منهم. (الآية: 20-21). ولكن سليمان ليس ملكاً جباراً في الأرض يفعل ما يشأ دون ضوابط شرعية وقيم أخلاقية كما يفعل كثير من ملوك وزعماء الدنيا، إنما هو نبي.. وهو لم يسمع بعد حجة الهدهد الغائب، فلا ينبغي أن يقضي في شأنه قضاءً نهائياً قبل أن يسمع منه، ويتبين عذره. ومن ثم تبرز سمة النبي في الملك العادل: ﴿ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ ﴾ [النمل: 21]. أي حجة قوية توضح عذره، وتنفي المؤاخذة عنه.

 

(6) ويحضر الهدهد.. ومعه نبأ عظيم، بل مفاجأة ضخمة لسليمان، ولنا نحن الذين نشهد أحداث الرواية الآن!! ولذلك نجد أن الهدهد يخبره أنه قد أحاط بأمور لم يحط بها سليمان رغم أنه نبي فعلمه محدود بما آتاه الله. ولأن الهدهد يعرف حزم الملك وشدته.ـ والحيوانات تعرف وتفهم وتدرك ولكنها حرمت من الكلام ـ. فهو يبدأ حديثه مع سليمان بمفاجأة تطغى على موضوع غيبته، وتضمنُ إصغاء الملك له، إذ بادر الملك بالقول: ﴿ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ﴾ [النمل: 22].. فأي ملك لا يستمع!! وأحد رعاياه يقول له: ﴿ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ ﴾؟! فإذا ضَمِنَ إصغاء الملك بعد هذه المفاجأة أخذ في شرح تفاصيل النبأ اليقين الذي جاء به من مملكة سبأ. (الآية 22-23). والعجيب في هذا الموقف يعطينا درساً، أن الإنسان مهما بلغ من العلم فإنه لا يحيط بكل شيء ولو كان نبياً مثل سليمان، وكيف أن طائراً أعجماً أحاط بعلم ما لم يحط به النبي. وهنا أيضاً لفتة تربوية عظيمة وهي أن على القائد ألاَّ يستهين بأقل جنده شأناً، فقد يأتي بخبر أو فكرة لها أثر كبير على الأمة.

 

(7) وفي هذه القصة نجد أنفسنا أمام هدهد عجيب. صاحب إدراك وذكاء وإيمان، وبراعة في عرض النبأ، ويقظة إلى طبيعة موقفه، وتلميح وإيماء ذكي. فهو قد أدرك أن تلك المرأة التي اطلع على أحوالها هي (ملكة سبأ) وأن أولئك الناس في أرضها هم رعيتها. وأن الملكة قد أوتيت من كل شيء، بحسب ملك وإمكانات تلك الأيام، ﴿ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ﴾ [النمل: 23].(أي سرير ملك فخم ضخم، يدل على الغنى والترف وارتقاء الصناعة). وأدرك أنهم يسجدون للشمس والقمر من دون الله. فهو عنده علم بمعنى الإيمان بالله، ومن ثم فهو يعلم أن السجود لا يكون إلا لله، كما أنه كان يعلم من صفات الله وقدراته وعظمته، أنه الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض، وأنه هو رب العرش العظيم.. وما هكذا تدرك الهداهد. إنما هو هدهد خاص أوتي هذا الإدراك الخاص، على سبيل الخارقة المعجزة التي تخالف المألوف لأنه جندي خاص عند نبي ملك. (الآيات: 24-26).

 

(Cool ومع ما أوتي الهدهد من ذكاء في العَرضِ لما شاهد، ولباقة في الحديث، ومع مكانته عند الملك سليمان إلا أن النبي سليمان عليه السلام لم يتسرع في تصديقه أو تكذيبه؛ ولم يستخف بالنبأ العظيم الذي جاءه به، أو يسخر منه؛ وإنما أخذ الخبر مأخذ الجد، ولذلك أراد التأكد من صحة الخبر، وهذا شأن النبي العادل والملك الحازم. ومن أجل أن يتحقق من خبر الهدهد يرسل معه كتاب (رسالة) إلى ملكة سبأ. (27-28).

 

(9) وتتلقى ملكة سبا الكتاب (الرسالة)، ومع أنها لم تعلم من ألقى إليها الكتاب؟ ولا كيف ألقاه؟ لكنها مع ذلك لم تستخف بالكتاب، ولم تعلن حالة الطوارئ لمثل هذا الاختراق لقصرها.. ولم تؤنب الحراس والجنود، ولم تفزع من وصول هذه الرسالة الغريبة المصدر القوية في فحواها كما يفعل الملوك، بل يظهر عليها الهدوء، حتى تستدعي حاشيتها إليها وتخبرهم بأمر الرسالة؛ بل إنها تصف الكتاب بأنه كريم: قال تعالى: ﴿ قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ ﴾. وهذا الوصف ربما خطر لها من خاتمه أو شكله أو أسلوبه وفحواه التي أعلنت عنها للملأ: ﴿ إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ﴾ [النمل: 30، 31].. وهي كانت لا تعبد الله. ولكن صيت سليمان كان ذائعاً في هذه الرقعة من الأرض، ولغة الكتاب التي يحكيها القرآن فيها استعلاء وحزم وجزم. مما قد يوحي إليها بهذا الوصف الذي أعلنته. ومن سياق القصة ندرك أنها كانت قارئة ولم تحتج لمن يقرأ لها الكتاب. وكذلك ربما كانت لغة الكتابة واحدة متعارف عليها بين شعوب المنطقة في ذلك الزمان.(الآية 29).

 

(10) وأما فحوى الكتاب فهو في غاية البساطة والقوة. فهو مبدوء بـ(بسم الله الرحمن الرحيم). ومطلوب في الكتاب أمر واحد: ألا يستكبروا على مرسلِهِ (أي سليمان النبي) ولا يعصوا أمره، وأن يأتوا إليه مستسلمين لله الذي يخاطبهم باسمه.. (الآية: 30-31). وهو نفس الأسلوب الذي كان يستخدمه الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في رسائله إلى الملوك في عصره ومنهم أكبر ملوك الأرض كسرى وقيصر.

 

(11) والملكة كما نرى من سياق القصة لم تكن مستبدة برأيها، وإنما تأخذ بالشورى؛ ولذلك ألقت إلى الملأ من قومها بفحوى الكتاب ومعناه؛ ثم استأنفت الحديث تطلب مشورتهم، وتعلن إليهم أنها لن تقطع في الأمر إلا بعد هذه المشورة، برضاهم وموافقتهم. وواضح أنها لم تكن تريد المقاومة والخصومة مع النبي سليمان الذي أرسل تلك الرسالة، ولكنها لا تقول هذا صراحة، إنما تمهد له بذلك الوصف. ثم تطلب الرأي بعد ذلك والمشورة من بطانتها وحاشيتها!! (الآية: 32).

 

(12) وعلى عادة رجال الحاشية.. فإن حاشية الملكة قد أبدوا استعدادهم للعمل، أو المقاومة إذا لزم الأمر ذلك، ﴿ قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ ﴾ (33) ولكنهم فوضوا للملكة الرأي لأنهم يقدرونها ويطيعونها، طاعة بوعي وثقة ولذلك استشارتهم في الأمر: ولكن ما هو الأمر الذي استشارتهم فيه؟ إنه الاستسلام والدخول في دين الله على يد سليمان؛ إذ أنها فهمت من فحوى الرسالة أنه يدعوها إلى دينه، وانتقال المرء من دين إلى دين ليس أمراً سهلاً، فقد يؤدي إلى تمرد قومها عليها. - كما حصل مع هرقل ملك الروم، بعد أن جاءه كتاب من الرسول صلى الله عليه وسلم إذ أن قساوسته رفضوا الأمر جملة وتفصيلاً على الرغم أن هرقل كان موقناً أن محمداً صلى الله عليه وسلم كان نبياً مرسلاً، وأنه الرسول المبشر به في الإنجيل، لأنه كان على علم بما ذكر في الإنجيل، ومع ذلك أطاع القساوسة -. (انظر سيرة ابن كثير 3/ 497- 498.

 

(13) ومن خلال إجابة الملكة للملأ (الحاشية) - عن استعدادهم للقتال إذا اقتضى الأمر - يتبين لنا أنها كانت واعية للأمور السياسية وطبيعة حكم الملوك، ولذلك رأت أن تتأكد بالتجربة فيما إذا كان سليمان ملكاً أو نبياً أعطاه الله الملك مع النبوة، وأنه ما دعاها إلى دينه إلا لأنه رسول؛ ولذلك رأت أن ترسل له هدية، والهدية تلين القلب، وتعلن الود، وقد تفلح في دفع القتال إن كان ملكاً. وهي تجربة. فإن قبلها سليمان فهو إذن أمر الدنيا، ووسائل الدنيا إذن تجدي. وإن لم يقبلها فهو إذن أمر العقيدة، الذي لا يصرفه عنه مال، ولا عرض من أعراض هذه الأرض.(الآية: 34-35). وترسل بهديتها إلى بيت المقدس. وهنا نجد أن دور الهدهد قد انتهى.

 

(14) ومن هذا الموقف نرى من تجربة الملكة وذكائها في التعرف فيما إذا كان سليمان ملكاً أو نبياً، ندرك أنها كانت على دراية بالسياسة وسلوك الملوك، وأن أكثرهم مفسدون في الأرض (ومنهم الزعماء والأمراء والسلاطين إلا من رحم الله)، كما كانت عندها الثقافة والقدرة على التمييز بين النبي المرسل من الله من غيره من ملوك الدنيا. ﴿ قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ﴾ (34). وكذلك يمكن أن ندرك من مضمون القصة، ومن موقف الملكة وحاشيتها، ومع أن قومها كانوا يعبدون الشمس والقمر من دون الله إلا أنهم كانوا يعلمون أن هناك إله ورب أعظم من الشمس والقمر، وإلا لبدأ من الملكة استغراب وربما استخفاف من محتوى الرسالة وما تدعو إليه. والذي يؤكد لي هذا التصور أن الجزيرة العربية، وشمالها لم تخلو من الأنبياء. ويكفي أن الكعبة التي بناءها نبي الله إبراهيم عليه السلام وابنه إسماعيل، وهي قريبة من اليمن، وسليمان عليه السلام جاء بعد إبراهيم وإسماعيل وموسى عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام بزمن طويل.

 

(15) وننتقل بعد ذلك إلى بيت المقدس في فلسطين عندما يقف رُسل الملكة بلقيس وهديتهم أمام سليمان عليه السلام. إذ أن سليمان أنكر على رسل الملكة اتجاههم إلى شرائه بالمال، وبيَّنَ لهم أن ما أتاه الله من المال والملك خير مما عندهم، (إذ اعتبر الهدية رشوة لسكوته كما يحدث في التعامل مع الملوك)، أو بهدف تحويله عن دعوتهم إلى الإسلام. ويعلن في قوة وإصرار تهديده ووعيده الأخير. ونرى في رد سليمان لوفد لرسل الملكة استهزاء بالمال، واستنكارا للاتجاه إليه في مجال غير مجاله مجال العقيدة والدعوة: ﴿ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ ﴾ [النمل: 36]؟. ويذكرنا هذا الموقف بما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب حين ظن أنه قد خذله وضعف عن نصرته عندما عرض عليه كفار قريش المال أو الملك، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: « يا عماه لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته.) (الكامل في التاريخ 1/ 260)، وهكذا كان الصحابة رضوان الله عليهم، ومن بعدهم الدعاة المخلصون في كل زمان ومكان لا يتزحزحون عن عقيدتهم مهما كانت الإغراءات أو التهديدات.

 

(16) ونستنتج من القصة أن الهدية قد أدت ثلاثة أغراض: أولهما: أنها أكدت مصداقية ما أخبر به الهدهد عن ملكة سبأ، وما تتمتع به الملكة من ملك عظيم، وثانيهما: أنها كانت رداً عملياً على رسالة سليمان ولمدى استجابة الملكة وقومها الأولي لدعوته، ثالثهما: أنها كانت رداً لفراسة الملكة؛ فيما إذا كان سليمان عليه السلام ملكاً أو نبياً، وبذلك سيخبرها رُسلها الذين أرسلتهم يحملون الهدية.

 

(17) ثم بعد ذلك يدرك سليمان عليه السلام أن هذا الرد شديد اللهجة سينهي الأمر مع ملكة لا تريد العداء كما يبدو من طريقتها في مقابلة رسالته القوية بهدية!! ويُرَجِّحُ سليمان أنها ستستجيب لدعوته، متيقناً من استجابتها بالفراسة، وأنها من المؤكد أنها ستحضر إليه كما خاطبها ﴿ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ﴾.. نفهم ذلك من خلال حواره مع حاشيته وجنوده حول استحضار عرشها قبل وصولها، الذي خلفته في بلادها محروساً مصوناً. (الآية: 38).

 

(18) ومن أجل استحضار عرش الملكة بلقيس يستعرض اثنين من أتباع سليمان قدراتهم، وهي قدرات خارقة للعادة ولا يمكن تصورها حتى في هذا الزمان؛ وذلك بين عفريت من الجن وأخر عنده علم من الكتاب. - إذ تبعد فلسطين عن اليمن حوالي ألفين كيلو متر -، (الآية: 39-40). وعلينا أن نفهم أن الذي كان عنده علم من الكتاب هو رجل مؤمن على اتصال بالله، موهوب سراً من الله يستمد به من القوة الإلهية الكبرى التي لا تقف لها الحواجز والأبعاد. وهو أمر يشاهد أحياناً على أيدي بعض المتصلين بالله من الكرامات، ولم يكشف الله لنا في القرآن سر ذلك الذي عنده علم من الكتاب ولا من هو، ولا تعليل لما حدث، لأنه خارج عن مألوف البشر في حياتهم العادية. وهذا الذي عنده علم من الكتاب، كانت نفسه مهيأة بسبب ما عنده من العلم، أن تتصل ببعض الأسرار والقوى الكونية التي تتم بها تلك الخارقة التي تمت على يده، لأن ما عنده من علم الكتاب وصل قلبه بربه على نحو يهيئه للتلقي، ولاستخدام ما وهبه الله من قوى وأسرار. ولا يهمنا هنا اسمه ولا من يكون ولكن الذي يهمنا العبرة بأن هذا الذي عنده علم من الكتاب ما هو إلا تابع للنبي سليمان ومسخر لقدراته ولحاجاته، ومع ذلك فقد أعطي من القدرة أكبر مما أعطي سليمان في هذا الاختصاص النادر في عالم البشر، كما أنه برهان على سعة ما أعطي لسليمان. ولربما لم يكن لسليمان معرفة بالقدرة الخارقة هذه للذي عنده علم من الكتاب، كما أخبرنا الله في سورة الكهف في قصة مشابهة وهي قصة موسى مع الخضر، إذ أصبح موسى تلميذا عند الخضر. وكل ذلك من حكمة الله في خلقه. فقد يكون إنسان خامل الذكر عند الناس ولكنه عند الله عظيم المكانة.

 

(19) ثم نرى هنا مشهداً لسليمان لا يمكن أن نصفه إلا بالعبودية الخالصة لله والاعتراف بفضله عليه وشكره على ما وهبه تعالى، عندما رأى عرش الملكة بلقيس مستقراً أمامه في طرفة عين. ﴿ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ﴾ (40). ( وطرفة العين: هي حركة جفن العين بين إغلاق وفتح للعين في جزء قصير جداً من الثانية).

 

(20) ولكن ترى ما الذي قصد إليه سليمان عليه السلام من استحضار عرش الملكة قبل مجيئها مسلمة مع قومها؟ (الكلام لسيد) الذي قال: (نرجح أن هذه كانت وسيلة لعرض مظاهر القوة الخارقة التي تؤيده، لتؤثر في قلبِ الملكةِ وتقودها إلى الإيمان بالله، والإذعان لدعوته). وأضيف بأنها من معجزات النبوة الخارقة للعادة.

 

(21) وبعد هذه الانتفاضة أمام النعمة والشعور بما وراءها من الابتلاء يمضي سليمان عليه السلام في تهيئة المفاجآت للملكة القادمة عما قليل: ﴿ قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ ﴾ [النمل: 41]. أي غيروا معالمه المميزة له، لنكتشف إن كانت فراستها وفطنتها تهتدي إليه بعد هذا التنكير. أم يلتبس عليها الأمر فلا تنفذ إلى معرفته من وراء هذا التغيير. ولعل هذا كان اختباراً من سليمان لذكائها وتصرفها، في أثناء مفاجأتها بعرشها.

 

(22) ثم إذا نحن أمام مشهد الملكة ساعة الحضور أمام سليمان: ﴿ فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ ﴾ [النمل: 42].. إنها مفاجأة ضخمة لا تخطر للملكة على بال. فأين عرشها في مملكتها، وعليها أقفالها وحراسها؟.. أين هو من بيت المقدس مقر ملك سليمان؟ وكيف جيء به؟ ومن ذا الذي جاء به؟ ولكن العرش عرشها على الرغم من هذا التغيير والتنكير!

 

ووقفت ذاهلة أمام غرابة ما تراه!! ترى أتنفي أن العرش عرشها، بناءً على تلك الملابسات؟ أم تراها تقول: إنه هو بناءً على ما تراه فيه من أمارات؟ وقد انتهت إلى جواب ذكي أريب: ﴿ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ ﴾ لا تنفي ولا تثبت، وهذا يدل على فراسة وبديهة في مواجهة المفاجأة العجيبة. إذ كيف يمكن أن يأتي عرشها من اليمن؟؟ وكيف توصل سليمان إلى مواصفاته وهو لم يراه، إن لم يكن هو عرشها بعينه؟؟.. فضلاً عن أن يسبقها عرشها في الوصول إلى فلسطين؛ إنه لأمر خارق للعادة والمألوف!! ويبدو أن تدرك أنها معجزة من معجزات النبي سليمان، وأن إحضار عرشها ليس أمراً عادياً يمكن حدوثه لأي إنسان، أو أن يقدر عليه أي إنسان عادي مهما أوتي من قدرات خارقة للعادة.

 

(23) ومعنى قولها: ﴿ وَأُوتِينَا العلم مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ ﴾.. وكأنها تقصد: أوتينا العلم بكمال قدرة الله تعالى وصحة نبوتك من قبل هذه المعجزة أو من قبل هذه الحالة بما شاهدناه من أمر الهدهد، وما سمعناه من رسلنا إليك من الآيات الدالة على ذلك، وكنا مؤمنين من ذلك الوقت فلا حاجة إلى إظهار هذه المعجزة. وأن الذي صدها عن عبادة الله من قبل أنها كانت من قوم كافرين. (الآية: 42-43).

 

(24) بعد ذلك تأتي مفاجأة أخرى (يستعرض بها سليمان قدراته العلمية والإعجاز النبوي، مقابل التقدم الحضاري والإبداع الإنساني العادي الذي كان في اليمن في مملكة سبأ).. لقد كانت المفاجأة قصرا من البلور (الزجاج)، أقيمت أرضيته فوق الماء, وظهر كأنه لجة (واللجة: الماء الجاري الذي يمكن السير فيه). فلما قيل لها: ادخلي الصرح, حسبت أنها ستخوض تلك اللجة. فكشفت عن ساقيها؟ فلما تمت المفاجأة كشف لها سليمان عن سر ذلك الصرح، ﴿ قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ ﴾ [النمل: 44]! والصرح: هو القصر. (الآية: 44). ووقفت الملكة مفجوءة مدهوشة أمام هذه العجائب التي تُعجِز البشر, وتدلُ على أن سليمان مسخرٌ له قوى أكبر من طاقة البشر. ويبدو من استعداد سليمان لإظهار مثل هذه المعجزات أنه قد وصل إلى علمه ما كانت عليه مملكة سبأ من التقدم الحضاري، إضافة إلى ما ذكره الهدهد، فأراد أن يستعرض ما هو أقوى مما عند الملكة. وهكذا يجب على المسلمين أن يكونوا رواداً مبدعين، حتى يمكنهم تقديم دعوة الإسلام للبشرية، والقرآن هو معجزتهم الكبرى.. ومن أجل ذلك روج النصارى أن الإسلام هو سبب التخلف حتى يهونوا من شأن الإسلام حرباً عليه. وأما ما ذكرته بعض التفاسير من أن سليمان كان قد علم أن أقدامها مثل حوافر الحمار، ومن ثم أراد أن يتأكد من ذلك بأن صنع ذلك الصرح لتكشف عن ساقيها فهي من الإسرائيليات.

 

(25) بعد روية الملكة لهذه المعجزات والخوارق رجعت إلى الله, وناجته معترفة بظلمها لنفسها فيما سلف من عبادة غيره. ومعلنة إسلامها، ﴿ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ (44)، إسلاما لا لسليمان، ولكن لله رب العالمين مع سليمان.

 

والعجيب أن تُذْكر بعض الآيات التي تتحدث عن وفاة سليمان في سورة سبأ، الآيات (12-14) في قوله تعالى: ﴿ وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ * يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ * فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ ﴾ [سبأ: 12 - 14].

 

ثم نمضي مع نصوص القصة القرآنية في المشهد الأخير منها. مشهد وفاة سليمان والجن ماضية تعمل بأمره فيما كلفها عمله؛ وهي لا تعلم نبأ موته، حتى يدلهم على ذلك أكل دابة الأرض (الأرضة) لعصاه، التي كان مرتكزاً عليها، وسقوطه، قال تعالى: ﴿ فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ ﴾... وقد روي أنه كان متكئاً على عصاه حين وافاه أجله؛ والجن تروح وتجيء مسخرة فيما كلفها إياه من عمل شاق شديد؛ فلم تدرك أنه مات، حتى جاءت دابة الأرض. قيل إنها الأرضة. التي تتغذى بالأخشاب، وهي تلتهم أسقف المنازل وأبوابها وقوائمها بشراهة فظيعة، في الأماكن التي تعيش فيها... فلما نُخِرَت عصا سليمان لم تحمله فخرّ على الأرض. وحينئذ فقط علمت الجن موته. وعندئذ ﴿ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ ﴾.. أما المدة التي بقي فيها ميتاً حتى أدركت الجن أنه ميت فلم أجد روايات صحيحة عن ذلك، وما يهمنا هو العبرة. ومن المبالغات والتي تبدو أنها من الإسرائيليات أنه بقي ميتاً لمدة سنة، لكن مثل هذه الرواية لا تستقيم مع العقل إذ أن الني سليمان النبي والملك يتعامل أيضاً مع البشر وهم يدخلون إليه، ويخرجون من عنده، وكذلك أهل بيته، فهل يعقل أن يظلوا مدة سنة ولا يعرفون عنه أنه ميت؟؟ والله أعلم بالحقيقة.

 

فهؤلاء هم الجن الذين يعبدهم بعض الناس. ومنهم من عاشوا سُخْرة لعبدٍ من عباد الله مدة من الزمن محجوبون عن الغيب القريب؛ فما بالنا بالغيب البعيد، وبعض الناس يطلب عندهم أسرار الغيب البعيد. كما يفعل السحرة المشعوذون!

 

وفي الصفحة المقابلة هي صفحة نهاية وتدمير مملكة سبأ: وقد مضى في سورة النمل ما كان بين سليمان وبين ملكتهم من قصص. وهنا يجيء نبؤهم بعد قصة سليمان. مما يوحي بأن الأحداث التي تتضمنها وقعت بعد ما كان بينها وبين سليمان من خبر.

 

يرجح هذا الفرض أن القصة هنا تتحدث عن بطر سبأ بالنعمة وزوالها عنهم وتفرقهم بعد ذلك وتمزقهم كل ممزق. وهم كانوا على عهد الملكة التي جاء نبأها في سورة النمل مع سليمان في ملك عظيم، وفي خير عميم. وذلك ما قصه الهدهد على سليمان: ﴿ إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ﴾، وقد أعقب ذلك إسلام الملكة مع سليمان لله رب العالمين. فالقصة هنا تقع أحداثها بعد إسلام الملكة لله؛ وتحكي ما حل بهم بعد إعراضهم عن شكره على ما كانوا فيه من نعيم. قال تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آَيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ ﴾ [سبأ: 15-16].

 

ولكن يبقى سؤال لابد منه للتدبر والتذكير به وهو: لماذا ذكر الله في القرآن الكريم في قصة النبي سليمان عليه السلام كل هذا الاستعراض لأمور خارقة للعادة والملك الكبير في القرآن الكريم؟؟ وماذا يمكن أن نستفيد من مضامينها في قصة سليمان عليه السلام؟؟

 

ملاحظة وفوائد من التدبر في قصة سليمان مع ملكة سبأ:

أولاً: الملاحظة: لقد كان طلب سليمان عليه السلام للملك الذي لا ينبغي لأحد من بعده من الله؛ هو طلب رجاء واستعطاف وليس طلب اشتراط من النبي سليمان، فليس لأحد من المخلوقين أن يشترط على الله!! لأن الله مالك الملك يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء، ﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ ﴾ [آل عمران: 26]، ومن أدب النبي سليمان لطلبه أن تقدم به باستعطاف أن يغفر الله له أولاً، وبعدها طلب أن يهبه الله له ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده، كما حكى عنه القرآن: ﴿ قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ﴾ (35). وهذا درس ينبغي أن نتعلم منه الأدب مع الله وأن على المؤمن إذا طلب من الله حاجة فعليه أن يسبق طلبه بتوبة واستغفار، وقد ورد في سورة نوح عليه السلام تذكير نوح لقومه بما حكاه الله عنه، في قوله تعالى: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ [نوح: 10-12].

 

الفوائد:

الفائدة الأولى:

إن الله ذكر كل تلك الاستعراضات لمظاهر الملك العريض الذي أوتي للنبي سليمان عليه السلام، والذي لم يعطى لأحد من قبله ولن يعطى لأحد من بعده، ليبين لنا أنه قادر على كل شيء، وأن كل شيء ينقاد لأمره تعالى ويخضع له حتى الشياطين المتمردة على الله ابتداءً، والجن والإنس والحيوانات بجميع أنواعها، وكذلك الريح، وعين القطر التي أسالها الله لسليمان. قال سيد: والقطر النحاس. وسياق الآيات يشير إلى أن هذا كان معجزة خارقة (أي لسليمان عليه السلام) كما كانت إلانة الحديد لداود عليه السلام معجزة. وقد يكون ذلك بأن فجر الله له عيناً بركانية من النحاس المذاب من الأرض. وعين القطر: (عين يخرج منها النحاس المذاب سائلاً مثلما يخرج الماء من الينابيع).

 

الفائدة الثانية:

إن كل الذي سُخِّر لسليمان هو هبة من الله ولم يكتسبه سليمان بجده وجهده، ومع ذلك فهذا الملك لا يساوي شيئاً بالنسبة لملك الله العظيم.. كما أنه لا يقارن بما يعطيه الله من ملك لكل مؤمن في الآخرة، وقد ذكر الله عدداً من الأنبياء بعد ذكر إعطائه الملك لسليمان وما وهبهم الله في الآخرة. أو كما قال في سورة الإنسان: ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا ﴾. ومع ذلك نحن لا ندري شيئاً عن طبيعة الملك الكبير في لآخرة لكل مؤمن بالله واليوم الأخر.

 

الفائدة الثالثة من ورود القصة:

هي النتيجة التي يهدف من ورائها الخطاب القرآني، في التعقيب الذي ذُكِرَ بعد قصة سليمان وعدد من الأنبياء بعدها؛ وذلك في سورة (ص) في التذكير بالقرآن وبحُسْنِ المَآَبٍ في الآخرة والذي عاقبته دخول الجنة للمؤمنين، في قوله تعالى: ﴿ هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ * جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ * مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ * وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ * إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ ﴾ [ص: 49 - 54]. ثم يعقب بعد ذلك عن مصير الطغاة الكافرين في الآخرة، وكأنه يُعرِّض للمرتبطين بالملك الدنيوي في قوله: ﴿ هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآَبٍ ﴾. وبذلك يتفق مع سياق القصة في الملك العادل للنبي الملِكِ الذي يختلف عن أي مَلِكٍ طاغي من ملوك الدنيا.

 

الفائدة الرابعة أن الله ذكر ثلاثة من الحيوانات تتكلم في سورة واحدة وهي سورة النمل:

وأخيراً نستطيع من تدبر القرآن بعناية أن ندرك كيف أن إعجاز القرآن الكريم وتجليات آياته لا يمكن إدراكها إلا بالتفكر والتدبر، ففي التدبر في آيات سورة النمل نجد أنها قد أوردت ذكر ثلاثة من الحيوانات تتكلم، ولم يُذكر في القرآن حيوانات تتكلم إلا في هذه السورة، وهذا يدل على أن هذا من معجزات القرآن الكريم، فكيف يتفق ذكر الدابة التي تكلم الناس قبل يوم القيامة مع ما ورد في قصة سليمان عليه السلام من تكلم النملة والهدهد مع اختلاف قصة سليمان عليه السلام عن الوعيد بخروج الدابة قبل يوم القيامة، فالذي انطق النملة والهدهد قادر على إنطاق أي حيوان أو أي شيء كما قال تعال: ﴿ وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ [فصلت:21].

 

وتأكيداً على أن قدرة الله في إنطاق كل شيء لا حدود لها ما ورد من حديث الشجرة التي شهدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه رسول الله. فعن عطاء، عن ابن عمر، قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فأقبل أعرابي، فلما دنا (1) منه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أين تريد؟ »، قال: إلى أهلي. قال: « هل لك إلى خير؟ »، قال: ما هو؟ قال: « تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله »، قال: هل من شاهد على ما تقول؟ قال صلى الله عليه وسلم: « هذه السمرة »، فدعاها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي بشاطئ الوادي، فأقبلت تخد الأرض خدا (تخد الأرض: تشقها كناية عن سرعة المجيء) حتى كانت بين يديه، فاستشهدها ثلاثا، فشهدت أنه كما قال، ثم رجعت إلى منبتها، ورجع الأعرابي إلى قومه، وقال: إن يتبعوني أتيتك بهم، وإلا رجعت إليك فكنت معك. رواه ابن حبان، 14/ 434 / 6505. قال شعيب الأرنؤوط: رجاله ثقات.

 

وكأن الله أراد بذكر حكاية النملة والهدهد تمهيداً لذكر الدابة التي تخرج قبل يوم القيامة. وقد كان ورود ذكر هذه الحيوانات التي تتكلم بتدرج، أولها: يأتي ذكر النملة التي تتكلم ولا يفهم كلامها إلا سليمان عليه السلام (الآية: 18) وبعدها يأتي ذكر الهدهد الذي يتكلم ولا يفهم كلامه إلا سليمان (الآيات: 22-26)، ثم يأتي ذكر الدابة التي يخرجها الله من الأرض وهي من العلامات الكبرى التي تظهر قبل يوم القيامة فإنها تكلم الناس. وهي المذكورة في قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآَيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ ﴾  [النمل:82].

 

وهذه الدابة التي تُكلِّم الناس أو الحيوان لم ترد روايات صحيحة وموثوق بها عن صفاتها، وما يهمنا في هذا لمقام هو أن الله جعل ذكرها في سورة تتحدث عن حيوانات تتكلم. إلا أن الدابة سوف تتكلم مع الناس. وقد يكون كلامها مع جميع بني آدم ولربما جعلها الله تتكلم بكل لغاتهم ولهجاتهم كما يتكلم الناس فيما بينهم؛ وذلك عندما يغلق باب التوبة. وهذا يدل على جانب عظيم من إعجاز القرآن في تجليات آياته، وفي وحدة المصدر الذي جاءت منه، قال تعالى: ﴿ أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا ﴾  [النساء:82]، وقد ذكرت الدابة في حديث صحيح عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَدِيثًا لَمْ أَنْسَهُ بَعْدُ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: « إِنَّ أَوَّلَ الْآيَاتِ خُرُوجًا طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَخُرُوجُ الدَّابَّةِ عَلَى النَّاسِ ضُحًى، وَأَيُّهُمَا مَا كَانَتْ قَبْلَ صَاحِبَتِهَا فَالْأُخْرَى عَلَى إِثْرِهَا قَرِيبًا ». مسلم 4/ 2260 رقم 2941.

 

الفائدة الخامسة: إن مما يمكن تدبره من سياق قصة سليمان مع ملكة سبأ أيضاً:

رمزية ذكر رسالة سليمان عليه السلام إلى ملكة سبأ على أهمية ذكرها؛ أن أهل اليمن آمنوا برسالة من النبي سليمان عليه السلام، كما آمنوا برسالة من نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ وبذلك يمكننا أن نستفيد فائدة عظيمة وهي أنه عند تدبر القرآن يستحسن أن نسترشد كذلك بما ورد في السنة والسيرة النبوية، وبهذه المناسبة نذكر أن أهل اليمن قد آمنوا كذلك برسالة من نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مما يؤكد وحدة رسالة الأنبياء، واختصاص أهل اليمن بأنهم أهل حكمة وإيمان ورقة ولين كما وصفهم الرسول صلى الله عليه وسلم، ففي الحديث المروي عن أبي هريرة رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: « أتاكم أهل اليمن هم أرق أفئدة وألين قلوبا الإيمان يمان والحكمة يمانية والفخر والخيلاء في أصحاب الإبل والسكينة والوقار في أهل الغنم». رواه البخاري 4/ 1594 رقم 4127.

 

فقد آمنوا بدون حرب وبرسالتين: الأولى رسالة سليمان إلى ملكة سبأ. وقد تحدثنا عنها. والرسالة الثانية هي: رسالة نبينا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم وهي مرسلة إلى باذان والي الفرس على اليمن. كما أنهم بحكمتهم ورقتهم قد دعوة الإسلام إلى جنوب شرق أسيا (إندونيسيا، ماليزيا، والفلبين ،وغرب أفريقيا) بدون حروب، وإنما بالحكمة واللين، بل أن عبد الله الحكيمي كان أول من أسس مسجداً في بريطانيا في مدينة (كراديف).

 

ونورد هنا قصة رسالة نبينا محمد صلى اله عليه وسلم إلى باذان كما ذكرها ابن هشام قال: بلغني عَنْ الزّهْرِيّ أَنّهُ قَالَ: كَتَبَ كِسْرَى إلَى بَاذَانَ: (أَنّهُ بَلَغَنِي أَنّ رَجُلًا مِنْ قُرَيْش خَرَجَ بِمَكّةَ، يَزْعُمُ أَنّهُ نَبِيّ، فَسِرْ إلَيْهِ فَاسْتَتِبْهُ فَإِنْ تَابَ وَإِلّا فَابْعَثْ إلَيّ بِرَأْسِهِ).. فَبَعَثَ بَاذَانُ بِكِتَابِ كِسْرَى إلَى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَكَتَبَ إلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ : « إنّ اللّهَ قَدْ وَعَدَنِي أَنْ يُقْتَلَ كِسْرَى فِي يَوْمِ كَذَا مِنْ شَهْرِ كَذَا فَلَمّا أَتَى بَاذَانَ الْكِتَابُ تَوَقّفَ لِيَنْظُرَ.. وَقَالَ: (إنْ كَانَ نَبِيّا فَسَيَكُونُ مَا قَالَ) . فَقَتَلَ اللّهُ كِسْرَى فِي الْيَوْمِ الّذِي قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قُتِلَ عَلَى يَدَيْ ابْنِهِ شِيرَوَيْه (أي في اليوم والشهر الذي ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم). قَالَ الزّهْرِيّ: فَلَمّا بَلَغَ ذَلِكَ بَاذَانَ بَعَثَ بِإِسْلَامِهِ وَإِسْلَامِ مَنْ مَعَهُ مِنْ الْفُرْسِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَتْ الرّسُلُ مِنْ الْفُرْسِ لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم إلَى مَنْ نَحْنُ يَا رَسُولَ اللّهِ؟ قَالَ أَنْتُمْ مِنّا وَإِلَيْنَا أَهْلَ الْبَيْت. سير ابن هشام 1/ 69-70. فسبحان الله العظيم القادر على كل شيء ولا إله غيره. والحمد لله رب العالمين.

 

المراجع:

1- القرآن الكريم.

2- ( تفسير ابن كثير 4/45).

3- في ظلال القرآن من تفسير سورة النمل، وسورة ص وسورة سبأ.

4- صحيح البخاري 6/ 2447 رقم 6263، ومسلم 3/ 1275 رقم 1654.

5- صحيح مسلم 3/ 1275 رقم 1654و مسلم 4/ 2260 رقم 2941.

6- سنن أبي داوود 2/61 رقم 2675.

7- السيرة لابن كثير 3/ 497- 498.

8- ( الكامل في التاريخ 1/ 260 ).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://www.facebook.com/aalksimi/
 
التدبر في قصة نبي الله سليمان عليه السلام مع ملكة سبأ
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سليمان بن داود عليهما السلام
» قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
» هود عليه السلام"
» لوط عليه السلام
» آدم عليه السلام

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الكسيمي الفلكي :: التنجيم والابراج والفلك وقراءة الكف :: ناموس التاريخ والاثار-
انتقل الى: